الأربعاء، 1 يونيو 2011

من مواعظ امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام العظيمه المؤثره

اخوتي الاعزاء ارجو قراتها جيدا واسالكم الدعاء
عن نوف البكالي ، قال : عرضت لي إلى أمير المؤمنين عليه السلام حاجة، فاستسعيت إليه جندب بن زهير والربيع بن خيثم وابن أخيه همام بن عبادة، وكان من أصحاب البرانس ، فأقبلنا معتمدين لقاء أمير المؤمنين ، فألفيناه حين خرج إلى المسجد، فأفضى ونحن معه إلى نفر قد أفاضوا في الأحدوثات تفكهاً، فلما أشرف لهم أسرعوا إليه قياماً، فسلموا فرد التحية ثم قال : «من القوم ؟» .
قالوا: اُناس من شيعتك ، يا أمير المؤمنين .
فقال لهم خيرا، ثم قال : «يا هؤلاء، مالي لا أرى فيكم سمة الشيعة وحليتهم ؟» فأمسك القوم حياء، قال نوف : فأقبل عليه جندب والربيع فقالا: ما سمة شيعتكم ، يا أمير المؤمنين ؟ فتثاقل عن جوابهما وقال : «اتقيا الله - أيها الرجلان - وأحسنا، فإن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون » فقال همام بن عبادة - وكان عابداً متزهداً مجتهداً - : أسألك بالذي أكرمكم -أهل البيت - وخصكم وحباكم وفضلكم تفضيلاً لما انبأتنا بصفة شيعتكم ؟ فقال : «لا تقسم فسأنبئكم جميعاً» وأخذ بيد همام فدخل المسجد فصلى ركعتين أوجزهما وأكملهما، ثم جلس وأقبل علينا، وحف القوم به ، فحمد الله وأثنى
عليه ، وصلى على النبي صلى الله عليه واله ، ثم قال :
«أما بعد: فإن الله - جل ثناؤه ، وتقدست أسماؤه - خلق خلقه فألزمهم عبادته ، وكلّفهم طاعته ، وقسم بينهم معايشهم ، ووضعهم في الدنيا بحيث وضعهم ، وهوفي ذلك غني عنهم ، لا تنفعه طاعة من أطاعه ، ولا تضرِّه معصية من عصاه منهم ، لكنه علم تعالى قصورهم عمّا تصلح عليه شؤونهم ، وتستقيم به دهماؤهم في عاجلهم وآجلهم ، فارتبطهم بإذنه في أمره ونهيه ، فأمرهم تخييراً، وكلّفهم يسيراً، وأثابهم كثيراً، وأماز بينهم سبحانه بعدل حكمه وحكمته ، بين الموجف من أنامه إلى مرضاته ومحبته ، وبين المبطئ عنها والمستظهر منهم على نعمته بمعصيته ، فذلك قول الله عز وجل :( ام حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين امنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون).
ثم وضع أمير المؤمنين صلوات الله عليه يده على منكب همام بن عبادة فقال : «ألا من سأل عن شيعة أهل البيت ، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم في كتابه مع نبيه تطهيراً، فهم العارفون بالله، العاملون بأمر الله ، أهل الفضائل والفواضل ، منطقهم الصواب ، وملبسهم الاقتصاد، ومشيهم التواضع ، بخعوا( لله تعالى بطاعته ، وخضعوا له بعبادته ، فمضوا غاضين أبصارهم عمّا حرّم الله عليهم ، واقفين أسماعهم على، العلم بدينهم ، نزلت أنفسهم منهم في البلاء كالذي نزلت منهم في الرخاء، رضى منهم لله بالقضاء، فلولا الآجال التي كتب الله لهم ، لم تستقر أرواحهم في أجسادهم طرفة عين ، شوقاَ إلى لقاء الثواب ، وخوفاً من العقاب ، عظم الخالق في أنفسهم ، وصغر ما دونه عينهم ، فهم والجنة كمن قد رآها، فهم على أرائكها متكئون ، وهم والنار كمن قد دخلها، فهم فيها معذّبون ، قلوبهم محزونة، وشرورهم مأمونة، وأجسادهم نحيفة، وحوائجهم خفيفة، وأنفسهم عفيفة، وومعونتهم في الإسلام عظيمة، صبروا أياماً قليلة فأعقبتهم راحة طويلة، وتجارة مربحة يسّرها لهم رب كريم .
اُناس أكياس ، أرادتهم الدنيا فلم يُريدوها ، ووطلبتهم فأعجزوها ، أمّا الليل فصافّون أقدامهم ، تالون لأجزاء القران يرتلونه ترتيلاً، يعظون أنفسهم بأمثاله ، يستشفون
لدائهم بدوائه تارة، وتارة مفترشون جباههم وأكفهم وركبهم وأطراف أقدامهم ، تجري دموعهم على خدودهم ، يمجّدون جباراً عظيماً، ويجأرون إليه - جلّ جلاله - في فكاك رقابهم .
هذا ليلهم ، وأمّا النهار فحلماء علماء، بررة أتقياء، براهم خوف بارئهم ، فهم أمثال القداح ، يحسبهم الناظر إليهم مرضى وما بالقوم من مرض ، أوقد خولطوا وقد خالط القوم من عظمة ربهم وشدة سلطانه أمر عظيم ، طاشت له قلوبهم ، وذهلت منه عقولهم ، فإذا استقاموا من ذلك بادروا إلى الله تعالى بالأعمال الزاكية، لا يرضون له بالقليل، ولا يستكثرون له الجزيل ، فهم لأنفسهم متّهمون ، ومن أعمالهم مشفقون ، إن بهي أحدهم خاف مما يقولون ، وقال : أنا أعلم بنفسي من غيري ، وربي أعلم بي ، اللهم لا تؤاخذني بما يقولون ، فاجعلني خيراً مما يظنون ، واغفر لي مالا يعلمون ، فإنك علام الغيوب وساتر العيوب .
هذا، ومن علامة أحدهم أن ترى له قوة في دين ، وحزماً في لين ، وإيمانا في يقين ، وحرصاً على علم ، وفهماً في فقه ، وعلماً في حكم ، وكيساً في رفق ، وقصداً في غنى، وتجملاً في فاقة، وصبراً في شدة، وخشوعاً في عبادة، ورحمة للمجهود، وإعطاءَ في حق ، ورفقاً في كسب ، وطلباً في حلال ، وتعفّفاَ في طمع ، وطمعاً في غير طبع - أي دنس - ونشاطاً في هدى، واعتصاماَ في شهوة، وبراً في استقامة، لا يغرّه من جهله ، ولا يدع أحصاء ما عمله ،يستبطئ نفسه في العمل ، وهومن صالح عمله على وجل ، يصبح وشغله الذكر، ويمسي وهمّه الفكر، يبيت حذراً من سنة الغفلة، ويصبح فرحاً لما أصابه من الفضل والرحمة، إن استصعبت عليه نفسه فيما يكره ، لم يعطها سؤلها فيما إليه تشره ، ورغبته فيما يبقى ، وزهادته فيما يفنى، قد قرن العلم بالعمل ، والعمل بالحلم ، يظل دائماً نشاطه ، بعيداَ كسله ، قريباً أمله ، قليلاً زلَله ، متوقعاً أجله ، خاشعاً قلبه ، ذاكراً ربه ، قانعةً نفسه ، غارباً جهله ، محرزاً دينه ، ميتاَ داؤه كاظماً غيظه ، صافياً خلقه ، امناً منه جاره ، سهلا امره ، معدوماً كبره ، ثبتاً صبره ، كثيراً ذكره ،
لا يعمل شيئاً من الخير رياء، ولا يتركه حياءً، الخير منه مأمول ، والشر منه مأمون ، إن كان بين الغافلين كّتب من الذاكرين ، وإن كان بين الذاكرين لم يكتب من الغافلين .
يعفو عمن ظلمه ، ويعطي من حرمه ة ويصل من قطعه ، قريباً معروفه ، صادق قوله ، حسن فعله ، مقبل خيره ، مدبر شره ، غائب مكره ، في الزلازل وقور، وفي المكاره صبور وفي الرخاء شكور، لا يحيف على ما يبغض ، ولا يأثم فيمن يحب ، ولا يدّعي ما ليس له ، ولا يجحد ما عليه ، يعترف بالحق قبل أن يشهد به عليه ، لا يضيع ما استحفظ ، ولا ينابز بالألقاب ، لا يبغي على أحد، ولا يغلبه الحسد، ولا يضار بالجار، ولا يشمت بالمصاب ، مؤد للأمانات ، عامل بالطاعات ، سريع إلى الخيرات ،بطيء عن المنكرات ، يأمر بالمعروف ويفعله ، وينهى عن المنكر ويجتنبه ، لا يدخل فى الأمور بجهل ، ولا يخرج من الحق بعجز، إن صمت لم يعبه الصمت ، وإن نطق لم يعبه اللفظ ، وإن ضحك لم يعلُ به صوته ، قانع بالذي قدر له ، لا يجمح به الغيظ ، ولا يغلبه الهوى، ولا يقهره الشح .
يخالط الناس ليعلم ويفارقهم ليسلم ، يتكلم ليغنم ، ويسأل ليفهم ، نفسه منه في عناء، والناس منه في راحة، أراح الناس من نفسه ، وأتعبها لآخرته ، إن بُغي عليه صبر ليكون الله هو المنتصر له ، يقتدي بمن سلف من أهل الخير قبله ، فهو قدوة لمن خلف من طالب البر بعده .
اُولئك عمال الله ، ومطايا أمره وطاعته وسرج أرضه وبريته ، اُولئك شيعتنا وأحبتنا ، ألا، ها شوقاً إليهم » .
فصاح همام بن عبادة صيحة ووقع مغشياً عليه ، فحركوه فإذا هو قد فارق الدنيا رحمة الله عليه . واستعبر الربيع باكياً وقال : لأسرع ما أودت موعظتك - يا أمير المؤمنين - بابن أني ، ولوددت اني بمكانه .
فقال أمير المؤمنين عليه السلام : «هكذا تصنع المواعظ البالغة بأهلها ، أما - والله - لقد كنت أخافها عليه» .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق