الأربعاء، 31 أكتوبر 2012

إصلاح الشعائر الحسينية مطلبٌ ديني لا تهاون فيه

الشيخ حيدر حب الله والشعائر الحسينية ,

 آراء في عاشــــوراء الحســين إصلاح الشعائر الحسينية مطلبٌ ديني لا تهاون فيه من المهم التعريف بالأفكار التي يتبنّاها تجديديون صارمون، وإنما على قدرٍ مُعتبر من الاحتراف والجديّة، كما هو الشيخ اللبناني حيدر حبّ الله.

 سيكون الأخيرُ مديناً بالكثير لاطلاعه الموسّع، والمباشر بالثقافة الإيرانيّة المعاصرة. إنه أحد العارفين بما يجري في المشهد الدّيني الإيراني، وهو يتصل به بأكثر من صورة، فهو قارئ ذكي (موسوعي) لأهم إيقاعاته، وهو ناشرٌ محترف لأهم أصدائه وتجليّاته المثيرة، كما يبدو من المجلاّت التي يرأس تحريرها، ولاسيما «نصوص معاصرة» المختصّة حصْراً بنقل الفكر الديني الإيراني إلى القارئ العربي. الأرضيّة التي ينطلق منها حبّ الله لا تتصف بالاضطراب، كما أنه يحذر كثيراً من العشوائيّة والوقوع في حبائل الالتقاط والاتهامات الجزافية وحضيضها. إضافة إلى ذلك - وبما لا يقلّ أهمية عنه - فإن حبّ الله ضليع في الدراسات الحوزويّة، وقد أصدر تقريرات (بحث خارج) لأستاذه السيد محمود الشاهرودي (رئيس السلطة القضائية السابق في إيران). فكيف هي عاشوراء الحسين في نظر حبّ الله؟ بفضل القراءة المحيطة بالتراث الديني، وإمعانه في التكوينات والصيرورات التي مرّ بها؛ فإن حبّ الله على إلمام دقيق بطبيعة التحوّلات الجارية على الحركة الحسينيّة - كما يصفها ذات بحث. ولكن، نختار من كتاباته في هذا الشأن، ما كتبه بعنوان «الشعائر الحسينية بين النمذجة والإصلاح» (مجلة «المنهاج»، ع ,36 السنة السابعة، 2005). يؤكد حبّ الله أنّ الشعائر الحسينية لها خصوصية معينة باعتبار ارتباطها الدّيني والإسناد الذي تحظى به من النصوص الشّرعيّة. وإذا كانت الجذوة الثورية في هذه الشعائر هي ملمح أساس، ولا يصحّ التهاون فيه، فإنّه من اللازم أيضاً الاستعداد لقبول القراءات الأخرى التي يمكن تُطرح في مقاربة التأويلات الممكنة على هذه الشعائر. ولكن حبّ الله يُشدّد على ضرورة أن يكون ذلك مبنياً على أساس العقلانيّة والحوار الهادئ البعيد عن الاتهامات المتبادلة، وأن يكون غرض الجميع هو الوصول إلى التفاهم والتفهّم. في هذا السّياق، يرصد بعض العمليات الإصلاحيّة التي عالجت الشعائر الحسينيّة، مبتدئاً بالإشارة إلى السيد محسن الأمين، والذي أصدر رسالة «التنزيه» العام 1346 للهجرة وشكّلت - بحسب حبّ الله - انعطافة كبيرة في تاريخ الطائفة الشيعية، ما يُفسّر الحملات الشنيعة التي تعرّض إليها الأمين، والتي لم يسلم منها منْ وقف موقف المؤيّد لإصلاحاته، بمن فيهم المرجع المعروف السيد أبوالحسن الاصفهاني. ينتبه حبّ الله إلى تضاعُف المظاهر العاشورائيّة التي تعرّضت إلى نقد المصلحين، وهو ما أشْعر الرافضين لهذه الإصلاحات بالخوف والحركة المضادة، مشيرين إلى «غزو وإبادة» تتعرّض إليها عقائد الشيعة بسبب ذلك، وكان ذلك بداية لمواجهة إصلاح الشعائر بأسلوب التشويه وانتزاع الإرادة الداخلية وربْطه بدائرة التّأثر بالآخرين المخالفين. وهو أمر يرفضه حبّ الله ويعدّه محاولة لإسباغ الثقة في معارضي الإصلاح وكسْب الأنصار. موضوعات إصلاح الشعائر الحسينية بخصوص موضوعات الإصلاح في الشعائر الحسينية، فإن حبّ الله يستهلّها بضرورة «تصفية نصوص السيرة الحسينية التاريخية من الأكاذيب والأساطير التي اختلقت عبر الزمن، ولم يكن لها من وجود في مصادر الحديث ولا التاريخ ولا التراث، وإنما صنعتها العقلية الشعبية أو ما هو بحكمها» (ص6). يستدرك حبّ الله بأن ذلك لا يعني تنحية أيّ نص تاريخي بمجرد أنه لا ينسجم مع العقول العادية أو مخالفته للمألوف، ولكنه يُحدّد التصفية بما يثبُت بالدليل العلمي والمنهجي عدم صحّته. من ناحيةٍ أخرى، يطالب حبّ الله بتأسيس رؤية نقديّة لكلّ السيرة الحسينية، وتقديم وقائع السيرة بحسب الدليل والأرجحيّة. يُفصح حبّ الله أنّ هذه الضرورة النقديّة والحاجة المستمرة لعمليات التصفيّة تنبع أساساً من أن الشعوب «في حال إنتاج دائم للمعتقدات الشعبية الممزوجة بالخرافة»، وأن مسؤولية التصفية تقع على عاتق علماء الدين ومفكري المسلمين والمصلحين الاجتماعيين، وفي حال توقّف هذه المصفاة فإنّ «المناخ» كلّه مرشّح للتعرّض إلى التلوّث. كذلك يرصد حبّ الله المظاهر العامة في الممارسة العاشورائية بكونها تحتاج إلى إعادة تقييم بحسب الموازين المعتبرة. ويصرّح بأن مظاهر مثل التطبير (ضرب القامات) ووضع الأقفال على الأبدان، وضرب السلاسل، واللطم العنيف المدمي، وشبه التعري الموجود أحياناً، والمشي على النيران، والزحف والمشي مشية الكلاب على أبواب المراقد، ونعت الذات بأنها كلب الأئمة أو التسمي بأسماء تحمل هذا المضمون.. كلّ ذلك لا يوجد عليه دليل من وجهة نظره، وأكثر من ذلك، فإنها «باتت سلاحاً بيد الآخر لتشويه المذهب الإمامي في أرجاء المعمورة». ليس في الملاحظة الأخيرة أية إشارة لإمكان التنازل العقيدي، كما يعطف حبّ الله، وليس في هذه الرؤية خوف من التشويهات وحرب التشهير المذهبي، ولكنه يعتمد الرضا الإلهي، والموازين الأصولية في قانون التزاحم بين المصالح والمفاسد. يعود مسارعاً للتأكيد أن رفض تلك المظاهر وغيرها؛ والمطالبة بإصلاحها جذرياً، لا يعني المواجهة العنيفة مع أصحابها، وليس مطلوباً أكثر من نشر الوعي، وتثقيف العامة ورجال الدين معاً، وبلا إثارات أو تهييج لمشاعر الآخرين. ومن الإصلاحات التي يحفّز عليها حبّ الله هو تطوير وسائل عرض الثورة الحسينية، وإدخال الطرق الجديدة في ذلك، مثل دور السينما، والفضائيات، وبرامج الكومبيوتر وغير ذلك. ويُشدّد على أهمية تنظيم المسيرات الحسينية ومجالس العزاء، بما يُضفي عليها الترتيب والتنظيم والأناقة، والعمل على تجويدها باستمرار، وذلك انطلاقاً من أنّ أشكال الإحياء تمثّل جهداً بشرياً واجتهادياً، وليس مرتبطاً بالنص الإلهي، وهي لأجل ذلك من المهم أن تُراعي الظروف الاجتماعية والثقافية المتبدّلة، وفي الوقت نفسه ملتزمة بالأسس الدينية العامة.